ليس عليك هداهم
الانطباع الأول الذى يتركه الداعية فى نفس من يدعوه هو الذى تدور حوله رحلة المستقبل، وعلى قدر تأثره بهذا اللقاء يكون الانشراح والانفساح، لهذا يجب أن يكون الداعية مصبوغا أو مطبوعا بروح الدعوة ووضوحها روحا وسلوكا، وأن يتجه إلى الله تعالى فى خطوته هذه بالصدق، وأن يشرح الله له صدره وصدر من يتوجه إليه، فإذا تعذر عليه بلوغ غايته، وبلوغ الأسباب من أسرار النفوس البشرية.. من هذا الطريق.. ولكل حال وظروف لايعلمها إلا الله وحده؛ تذكر قوله تعالى: (ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء) البقرة: 272.
و إنى لأذكر فى هذا المقام قصة معبرة عشتها بنفسى مع أحد الإخوة الذين أحببتهم حبا جما، يفوق الوصف، حتى بدت ظروف فكرية خطيرة؟ حاولت فيها بكل الكتب والمراجع والشروح؟ أن يشرح الله تعالى صدره حتى نتوحد على فكر واحد، ويبقى هذا الحب فى مساره، ولكن دون جدوى، وفيما أنا حزين لهذا الموقف؟ طرقت أذنى هذه الآية الكريمة (إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء) القصص: 56، ووقفت كثيرا عند قوله تعالى: (من أحببت) أى أن هذا الحب العميق لايكون سببا فى الهداية، ولكن الله يهدى من يشاء.
وفى حالة تعذر الأخ الداعية الذى أشرنا إليه آنفا فى بلوغ غايته، فلا أظن أنه يعود مع نفس هذا الإنسان، وإنما يتدارك الأمر بعد فترة طويلة، ويعاود ذلك مع أخ غيره، بعد أن يتزود بمعلومات وأفكار عن طبيعته، وبيئته وظروفه، فلعل بعض الوقت أيمن من بعض، وبعض الظروف أيمن من بعض، فكم من إنسان تكون لديه ظروف خاصة ليس من السهل أن يبوح بها، وبعد مدة من الزمن تنفرج هذه الظروف، وييسر الله الأ مور ويشرح الصدور.
فلا يجوز أن يحكم على الإنسان حكم المفاصلة!، وإنما هى سنة الله تعالى فى البشر، وعلينا أن ندرك ذلك، فلا نيأس، ولا نقطع الصلة.
وأمرآخر أريد أن يتنبه إليه كل داعية:
إذ يجب أن تكون صورة الداعية مستنيرة وضاءة فى كل الأحوال، فلا هو يقابل فردا من الناس بوجه عابس، ويقابل الآخر بوجه باسم!. بل هو على الدوام منشرح باسم (( اطلبوا الخير عند صباح الوجوه )) لأن كل الناس فى خاطره ربح كبير للدعوة، والقلوب جبلت على حب من أحسن استقبالها وأداء الخدمات لها. (عبس و تولى، أن جاءه الأعمى، و ما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى) عبس: 1-4،.
استغلال المناسبات لإحياء الموات
سافرت إلى بلد عربى فى زيارة، ودعانى أحد الإخوة على الغداء، وهناك وجدت مجموعة مدعوة مثلى، وكانت جلسة طيبة مؤنسة، وقبل أن نفترق دعانى واحد منهم على الغداء فى منزله، وذهبت فى الموعد، فوجدت نفس المجموعة الأولى تشاركنا الغداء!!، وأدركت أن كل واحد من هؤلاء سوف يكرر الدعوة، فقلت لهم: أظنكم سوف تتبادلون الدعوة حتى آخركم؟، فقالوا: نعم، هذا ما سيكون، فاتجهت إليهم وقلت لهم: هل تظنون أننى راغب فى ذلك؟، الواقع أننى كنت أظنكم قد فكرتم فى أن كل واحد منكم يدعونى على الغداء ويستحضر مجموعة جديدة من الشباب الجدد، ليجلسوا معنا ونتحدث إليهم من خلالكم وهم جلوس يستمعون فى حديث غير مباشر، ونتداول الأسئلة التى تفيد، وبذلك يكون كل واحد منكم دعانى للغداء ومعه عدد من الإخوة، بدلا من أن نتبادل الدعوة للغداء، ونكرر نفس اللقاء، وبهذه الفكرة نكون قد استفدنا بالغداء فى جذب القلوب، وجنينا ثمن العزومة خدمة للدعوة.
ولهذا.. فإن الأمر ليس طعاما، ولكن الطعام وسيلة للقاء، وفرصة لدعوة شباب جدد، يجلسون معنا، ويسمعوننا ونحن نتحدث عن الإسلام، فيسهل فهمه، ونجدد عزمه، ويسترشد بما يسمع من آيات وأحاديث، فنستفيد بالوقت قبل أن يضيع فى غير جدوى.
وهذا هو الداعية الذى يحمل هم الدعوة، وهموم المسلمين (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) المزمل: 5، الداعية الذى يعيش فى أتون معركة الإسلام مع أعدائه، الداعية الذى يستشعر عظمة الدعوة وقدسيتها، وشدة حاجة البشرية المطحونة إليها، تلك البشرية التى تمد البصر منذ قرون تترقب مطلعها، هذا الداعية الذى تعيش تلك الهموم والآمال فى ضميره وعقله، وتضطرم بها جوانحه، مهيأ- بإذن الله تعالى- أن يتحرك نحو القلوب (يهديهم ربهم بايمانهم) يونس: 9،.
مغناطيسية القلوب
ليس من إنسان خلقه الله تعالى إلا وله جهاز استقبال، وجهاز إرسال، فإذا فقدهما فقد فقد نفسه، وفقد سر وجوده، فهو كالشجرة الجافة التى تساقط ورقها، فلا خضرة فيها ولاحياة، أو كشجر "السرو" له رواء، وما له ثمر. فهو لهذا حى كميت!، لا أثر له فى الحياة، يأخذ لكنه لا يعطى!.
وهناك ناس ماهم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم عند الله، هؤلاء اكتشفوا سر الله فيهم، ألا وهى الحواس: السمع، والبصر، والفؤاد، فاستنهضوها، وغذوها بالعبادة والطاعة، حتى اشتعلت وتوهجت، وأرسلت من منابع روحها، وسلسبيل قلبها، نبضات وموجات موحيات، تدق على قلوب الناس حتى تلين لذكر الله تعالى، فتتبادل الهواتف الروحية بأحاسيس لا ننطقها، ولكننا نسعد بها كأطياف هفهافة، فتتحول إلى مغناطيسية تجذب الأرواح، وتشد القلوب.
ولا يعدم الإنسان هذا الإحساس ولو بقدر يسير، والداعية الموفق هو الذى يهديه الله تعالى إلى مكامن هذا الشعور فيقويه وينميه (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم) الأ نفال: 24،.
والذين جفت منابع قلوبهم، وصدئت أرواحهم، يقول الله فيهم (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة و إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار و إن منها لما يشقق فيخرج منه الماء و إن منها لما يهبط من خشية الله) البقرة: 74،. إن الآية الكريمة تقرر أن الحجارة تحس، بل إنها تهبط من خشية الله تعالى، ولكن نحن لا نملك هذه الأجهزة التى تبلغ من دقة الإحساس ما نكشف به كيف تحس، ولكنها يقينا تحس، وتخاف، وتندك من خشية الله تعالى. فإذا كانت الحجارة تحس وتقشعر، وتندك رهبة من الله تعالى، فكيف بالإنسان الذى حمله الله تعالى بتلك النعم العظيمة: العقل، والقلب، والشعور، والاحساس، والقلب- مستودع الرحمات- (رب اشرح لي صدري، و يسر لي أمري، و احلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي) طه: 25 إلى 28،.
الانطباع الأول الذى يتركه الداعية فى نفس من يدعوه هو الذى تدور حوله رحلة المستقبل، وعلى قدر تأثره بهذا اللقاء يكون الانشراح والانفساح، لهذا يجب أن يكون الداعية مصبوغا أو مطبوعا بروح الدعوة ووضوحها روحا وسلوكا، وأن يتجه إلى الله تعالى فى خطوته هذه بالصدق، وأن يشرح الله له صدره وصدر من يتوجه إليه، فإذا تعذر عليه بلوغ غايته، وبلوغ الأسباب من أسرار النفوس البشرية.. من هذا الطريق.. ولكل حال وظروف لايعلمها إلا الله وحده؛ تذكر قوله تعالى: (ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء) البقرة: 272.
و إنى لأذكر فى هذا المقام قصة معبرة عشتها بنفسى مع أحد الإخوة الذين أحببتهم حبا جما، يفوق الوصف، حتى بدت ظروف فكرية خطيرة؟ حاولت فيها بكل الكتب والمراجع والشروح؟ أن يشرح الله تعالى صدره حتى نتوحد على فكر واحد، ويبقى هذا الحب فى مساره، ولكن دون جدوى، وفيما أنا حزين لهذا الموقف؟ طرقت أذنى هذه الآية الكريمة (إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء) القصص: 56، ووقفت كثيرا عند قوله تعالى: (من أحببت) أى أن هذا الحب العميق لايكون سببا فى الهداية، ولكن الله يهدى من يشاء.
وفى حالة تعذر الأخ الداعية الذى أشرنا إليه آنفا فى بلوغ غايته، فلا أظن أنه يعود مع نفس هذا الإنسان، وإنما يتدارك الأمر بعد فترة طويلة، ويعاود ذلك مع أخ غيره، بعد أن يتزود بمعلومات وأفكار عن طبيعته، وبيئته وظروفه، فلعل بعض الوقت أيمن من بعض، وبعض الظروف أيمن من بعض، فكم من إنسان تكون لديه ظروف خاصة ليس من السهل أن يبوح بها، وبعد مدة من الزمن تنفرج هذه الظروف، وييسر الله الأ مور ويشرح الصدور.
فلا يجوز أن يحكم على الإنسان حكم المفاصلة!، وإنما هى سنة الله تعالى فى البشر، وعلينا أن ندرك ذلك، فلا نيأس، ولا نقطع الصلة.
وأمرآخر أريد أن يتنبه إليه كل داعية:
إذ يجب أن تكون صورة الداعية مستنيرة وضاءة فى كل الأحوال، فلا هو يقابل فردا من الناس بوجه عابس، ويقابل الآخر بوجه باسم!. بل هو على الدوام منشرح باسم (( اطلبوا الخير عند صباح الوجوه )) لأن كل الناس فى خاطره ربح كبير للدعوة، والقلوب جبلت على حب من أحسن استقبالها وأداء الخدمات لها. (عبس و تولى، أن جاءه الأعمى، و ما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى) عبس: 1-4،.
استغلال المناسبات لإحياء الموات
سافرت إلى بلد عربى فى زيارة، ودعانى أحد الإخوة على الغداء، وهناك وجدت مجموعة مدعوة مثلى، وكانت جلسة طيبة مؤنسة، وقبل أن نفترق دعانى واحد منهم على الغداء فى منزله، وذهبت فى الموعد، فوجدت نفس المجموعة الأولى تشاركنا الغداء!!، وأدركت أن كل واحد من هؤلاء سوف يكرر الدعوة، فقلت لهم: أظنكم سوف تتبادلون الدعوة حتى آخركم؟، فقالوا: نعم، هذا ما سيكون، فاتجهت إليهم وقلت لهم: هل تظنون أننى راغب فى ذلك؟، الواقع أننى كنت أظنكم قد فكرتم فى أن كل واحد منكم يدعونى على الغداء ويستحضر مجموعة جديدة من الشباب الجدد، ليجلسوا معنا ونتحدث إليهم من خلالكم وهم جلوس يستمعون فى حديث غير مباشر، ونتداول الأسئلة التى تفيد، وبذلك يكون كل واحد منكم دعانى للغداء ومعه عدد من الإخوة، بدلا من أن نتبادل الدعوة للغداء، ونكرر نفس اللقاء، وبهذه الفكرة نكون قد استفدنا بالغداء فى جذب القلوب، وجنينا ثمن العزومة خدمة للدعوة.
ولهذا.. فإن الأمر ليس طعاما، ولكن الطعام وسيلة للقاء، وفرصة لدعوة شباب جدد، يجلسون معنا، ويسمعوننا ونحن نتحدث عن الإسلام، فيسهل فهمه، ونجدد عزمه، ويسترشد بما يسمع من آيات وأحاديث، فنستفيد بالوقت قبل أن يضيع فى غير جدوى.
وهذا هو الداعية الذى يحمل هم الدعوة، وهموم المسلمين (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) المزمل: 5، الداعية الذى يعيش فى أتون معركة الإسلام مع أعدائه، الداعية الذى يستشعر عظمة الدعوة وقدسيتها، وشدة حاجة البشرية المطحونة إليها، تلك البشرية التى تمد البصر منذ قرون تترقب مطلعها، هذا الداعية الذى تعيش تلك الهموم والآمال فى ضميره وعقله، وتضطرم بها جوانحه، مهيأ- بإذن الله تعالى- أن يتحرك نحو القلوب (يهديهم ربهم بايمانهم) يونس: 9،.
مغناطيسية القلوب
ليس من إنسان خلقه الله تعالى إلا وله جهاز استقبال، وجهاز إرسال، فإذا فقدهما فقد فقد نفسه، وفقد سر وجوده، فهو كالشجرة الجافة التى تساقط ورقها، فلا خضرة فيها ولاحياة، أو كشجر "السرو" له رواء، وما له ثمر. فهو لهذا حى كميت!، لا أثر له فى الحياة، يأخذ لكنه لا يعطى!.
وهناك ناس ماهم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم عند الله، هؤلاء اكتشفوا سر الله فيهم، ألا وهى الحواس: السمع، والبصر، والفؤاد، فاستنهضوها، وغذوها بالعبادة والطاعة، حتى اشتعلت وتوهجت، وأرسلت من منابع روحها، وسلسبيل قلبها، نبضات وموجات موحيات، تدق على قلوب الناس حتى تلين لذكر الله تعالى، فتتبادل الهواتف الروحية بأحاسيس لا ننطقها، ولكننا نسعد بها كأطياف هفهافة، فتتحول إلى مغناطيسية تجذب الأرواح، وتشد القلوب.
ولا يعدم الإنسان هذا الإحساس ولو بقدر يسير، والداعية الموفق هو الذى يهديه الله تعالى إلى مكامن هذا الشعور فيقويه وينميه (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم) الأ نفال: 24،.
والذين جفت منابع قلوبهم، وصدئت أرواحهم، يقول الله فيهم (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة و إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار و إن منها لما يشقق فيخرج منه الماء و إن منها لما يهبط من خشية الله) البقرة: 74،. إن الآية الكريمة تقرر أن الحجارة تحس، بل إنها تهبط من خشية الله تعالى، ولكن نحن لا نملك هذه الأجهزة التى تبلغ من دقة الإحساس ما نكشف به كيف تحس، ولكنها يقينا تحس، وتخاف، وتندك من خشية الله تعالى. فإذا كانت الحجارة تحس وتقشعر، وتندك رهبة من الله تعالى، فكيف بالإنسان الذى حمله الله تعالى بتلك النعم العظيمة: العقل، والقلب، والشعور، والاحساس، والقلب- مستودع الرحمات- (رب اشرح لي صدري، و يسر لي أمري، و احلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي) طه: 25 إلى 28،.