كيف تتحقق الوحدة بين المسلمين ؟
الكاتب : الشيخ صالح الكرباسي
مقال يتناول السبل المتصورة لتحقيق الوحدة بين المسلمين ، لسماحة الشيخ صالح الكرباسي .
الوحدة الاسلامية مطمح كل مسلم
الوحدة الاسلامية مطمح كل مسلم يطلب وجه الله و رضوانه و يريد خير الامة الاسلامية و صلاحها ، و الفرُقة و الاختلاف و العدواة و البغضاء عمل شيطاني لا يؤدي إلا الى إهدار الطاقات الفردية و الاجتماعية بكل أشكالها ، الأمر الذي لا يؤدي إلا الى التنافر و التناحر ثم الفشل الذريع و الخسران المبين ، و من يثير الفتن ـ خاصة في مثل هذه الظروف ـ من خلال إطلاق النعرات الطائفية و المذهبية إنما يخدم مصالح أعداء الله و أعداء الأمة الاسلامية ، و يخدم مصلحة المستعمرين أصحاب المقولة المعروفة " فرِّق تَسُد " ، و يمهد لهم طريق السيطرة على مقدرات المسلمين ، و من يدعو الى الفرقة و يكفِّر المسلمين فهو يخالف الله عز و جل مخالفة صريحة و واضحة ، حيث أن الله تعالى دعا المسلمين في القرآن الكريم الى التآلف و التآخي و الوحدة ، و حذرهم من الفرقة و الاختلاف .
قال الله عز و جل : ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [1] .
و قال عزَّ مِن قائل : ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [2] .
و قال جل جلاله : ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [3] .
و قال سبحانه و تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [4] .
ما هو السبيل الأمثل لوحدة المسلمين ؟
لكي نُقدم حلاً واقعياً معقولاً و قابلاً للتطبيق لا بد لنا من أن نستعرض كافة الحلول و السُبل المتصورة لتحقيق الوحدة الاسلامية أولاً حتى نتمكن من اختيار الحل المعقول ، أو الحل الأفضل لمشكلة الامة الاسلامية .
الحلول و السُبل المتصورة :
الحل الأول : إجبار المسلمين بكل طوائفهم و مذاهبهم و فرقهم على إختيار مذهب واحد في العقيدة و الشريعة و ترك ما هم عليه الآن من المذاهب المختلفة ، و هذا الأمر هو ما طبَّقه عدد من الخلفاء و الحكام و القادة المتجبرين بقوة السيف ، و أجبروا الناس على إتباع مذهب السلطان و الخليفة المدعوم بمنطق القوة لا بقوة المنطق ، و رغم النجاح النسبي الذي حققه هذا الأسلوب العنيف و القمعي في جعل مذهب السلطان مذهب الأكثرية من خلال إجبار الجموع الغفيرة على الدخول في مذهب السلطان ، إلا أنه يتنافى مع روح الدين الاسلامي و جوهر الرسالة المحمدية الغراء ، و يخالف القيم الاسلامية ، خاصة و أن العقيدة لا تحصل بالإكراه و الاجبار ، بل تحصل بالحرية و الاختيار .
ثم أنه و رغم كل ذلك فلقد أثبت التاريخ فشل هذا الحل ـ إن صحَّ تسميته حلاً ـ ، مضافاً الى مخالفته الواضحة للقرآن الكريم ، حيث يقول الله تعالى : ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [5] .
الحل الثاني : و هو ما يُعبَّر عنه في العصر الحاضر بـ " اسلام بلا مذاهب " ، أي نبذ المذاهب كلها الى جانب و الالتفاف حول الاسلام بعيداً عن المذاهب ، و هو حل نظري أكثر من كونه حلاً عملياً ، حيث أن الكلام هو عن الاسلام الواقعي الذي جاء به النبي محمد ( صلى الله عليه و آله ) أين هو ، و أي مذهبٍ من المذاهب يمثله ؟ و ما هي الفرقة الناجية ؟ و ذلك لأن كل طائفة و فرقة تعتقد بصحة مذهبها ، و تعتقد بأن مذهبها يمثِّل الاسلام الصحيح الذي نزل به القرآن الكريم و جاء به الرسول المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، فأي مذهب من المذاهب أُخذ به بقي الخلاف على حاله ، و سوف لا يقبل به أصحاب المذاهب الأخرى .
الحل الثالث : الانفتاح على المذاهب الاسلامية المختلفة و دراستها من مصادرها المعتمدة لديها لمعرفة أفكارهم و حججهم من خلال إجتماع أهل الحل و العقد من العلماء و المفكرين من جميع المذاهب و الفرق الاسلامية بروح عالية و على أسس موضوعية و منطقية لمعالجة الأمر بمناقشة أصول الإختلاف من جذورها ، و التحاكم الى القرآن الكريم و الاحاديث الشريفة ـ المتفق عليها لدى المسلمين جميعاً ـ و العقل بغية التوصل الى المعتقد الصحيح و الحكم الشرعي المبريء للذمة في كل صغيرة و كبيرة مما يحتاج إليه المسلمون في شؤون حياتهم الفردية و الاجتماعية ، و من ثم إعلام الأمة الاسلامية بما سيتوصلون اليه حتى يتم قبوله باعتباره معتقداً موحداً و ممحصاً و منقحاً لا غبار عليه ، و هذا يتفق مع ما دعى اليه القرآن الكريم حيث قال : ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [6] .
و لقد بذل عدد من العلماء المخلصين و المصلحين جهوداً كبيرة لتحقيق هذا الهدف السامي ، و من هؤلاء العلماء الأعلام العلامة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين ( رحمه الله ) [7] ، و العلامة القدير الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الأزهر [8] و كانت نتيجة حواراتهم كتاب المراجعات المعروف [9] ، و الشيخ محمود شلتوت [10] .
الحل الرابع : تبادل الإحترام بين المذاهب الاسلامية كلها دون التعرض لرموزها و معتقداتها و التعامل مع أتباع المذاهب جميعاً على أنهم مسلمين موحدين تجوز مناكحتهم و تحل ذبائحهم و تصان دماؤهم و أعراضهم و أموالهم و مساجدهم و مقدساتهم من أن يتعرض لها ، و منع الجهات التكفيرية من توزيع الاتهامات على المسلمين و إثارة الفتن بين الطوائف و المذاهب الاسلامية .
و من الصحيح أن يُعمل بهذا الحل حتى يأتي اليوم الذي تساعد الظروف على العمل بالحل الثالث إن شاء الله تعالى .
--------------------------------------------------------------------------------
الكاتب : الشيخ صالح الكرباسي
مقال يتناول السبل المتصورة لتحقيق الوحدة بين المسلمين ، لسماحة الشيخ صالح الكرباسي .
الوحدة الاسلامية مطمح كل مسلم
الوحدة الاسلامية مطمح كل مسلم يطلب وجه الله و رضوانه و يريد خير الامة الاسلامية و صلاحها ، و الفرُقة و الاختلاف و العدواة و البغضاء عمل شيطاني لا يؤدي إلا الى إهدار الطاقات الفردية و الاجتماعية بكل أشكالها ، الأمر الذي لا يؤدي إلا الى التنافر و التناحر ثم الفشل الذريع و الخسران المبين ، و من يثير الفتن ـ خاصة في مثل هذه الظروف ـ من خلال إطلاق النعرات الطائفية و المذهبية إنما يخدم مصالح أعداء الله و أعداء الأمة الاسلامية ، و يخدم مصلحة المستعمرين أصحاب المقولة المعروفة " فرِّق تَسُد " ، و يمهد لهم طريق السيطرة على مقدرات المسلمين ، و من يدعو الى الفرقة و يكفِّر المسلمين فهو يخالف الله عز و جل مخالفة صريحة و واضحة ، حيث أن الله تعالى دعا المسلمين في القرآن الكريم الى التآلف و التآخي و الوحدة ، و حذرهم من الفرقة و الاختلاف .
قال الله عز و جل : ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [1] .
و قال عزَّ مِن قائل : ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [2] .
و قال جل جلاله : ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [3] .
و قال سبحانه و تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [4] .
ما هو السبيل الأمثل لوحدة المسلمين ؟
لكي نُقدم حلاً واقعياً معقولاً و قابلاً للتطبيق لا بد لنا من أن نستعرض كافة الحلول و السُبل المتصورة لتحقيق الوحدة الاسلامية أولاً حتى نتمكن من اختيار الحل المعقول ، أو الحل الأفضل لمشكلة الامة الاسلامية .
الحلول و السُبل المتصورة :
الحل الأول : إجبار المسلمين بكل طوائفهم و مذاهبهم و فرقهم على إختيار مذهب واحد في العقيدة و الشريعة و ترك ما هم عليه الآن من المذاهب المختلفة ، و هذا الأمر هو ما طبَّقه عدد من الخلفاء و الحكام و القادة المتجبرين بقوة السيف ، و أجبروا الناس على إتباع مذهب السلطان و الخليفة المدعوم بمنطق القوة لا بقوة المنطق ، و رغم النجاح النسبي الذي حققه هذا الأسلوب العنيف و القمعي في جعل مذهب السلطان مذهب الأكثرية من خلال إجبار الجموع الغفيرة على الدخول في مذهب السلطان ، إلا أنه يتنافى مع روح الدين الاسلامي و جوهر الرسالة المحمدية الغراء ، و يخالف القيم الاسلامية ، خاصة و أن العقيدة لا تحصل بالإكراه و الاجبار ، بل تحصل بالحرية و الاختيار .
ثم أنه و رغم كل ذلك فلقد أثبت التاريخ فشل هذا الحل ـ إن صحَّ تسميته حلاً ـ ، مضافاً الى مخالفته الواضحة للقرآن الكريم ، حيث يقول الله تعالى : ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [5] .
الحل الثاني : و هو ما يُعبَّر عنه في العصر الحاضر بـ " اسلام بلا مذاهب " ، أي نبذ المذاهب كلها الى جانب و الالتفاف حول الاسلام بعيداً عن المذاهب ، و هو حل نظري أكثر من كونه حلاً عملياً ، حيث أن الكلام هو عن الاسلام الواقعي الذي جاء به النبي محمد ( صلى الله عليه و آله ) أين هو ، و أي مذهبٍ من المذاهب يمثله ؟ و ما هي الفرقة الناجية ؟ و ذلك لأن كل طائفة و فرقة تعتقد بصحة مذهبها ، و تعتقد بأن مذهبها يمثِّل الاسلام الصحيح الذي نزل به القرآن الكريم و جاء به الرسول المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، فأي مذهب من المذاهب أُخذ به بقي الخلاف على حاله ، و سوف لا يقبل به أصحاب المذاهب الأخرى .
الحل الثالث : الانفتاح على المذاهب الاسلامية المختلفة و دراستها من مصادرها المعتمدة لديها لمعرفة أفكارهم و حججهم من خلال إجتماع أهل الحل و العقد من العلماء و المفكرين من جميع المذاهب و الفرق الاسلامية بروح عالية و على أسس موضوعية و منطقية لمعالجة الأمر بمناقشة أصول الإختلاف من جذورها ، و التحاكم الى القرآن الكريم و الاحاديث الشريفة ـ المتفق عليها لدى المسلمين جميعاً ـ و العقل بغية التوصل الى المعتقد الصحيح و الحكم الشرعي المبريء للذمة في كل صغيرة و كبيرة مما يحتاج إليه المسلمون في شؤون حياتهم الفردية و الاجتماعية ، و من ثم إعلام الأمة الاسلامية بما سيتوصلون اليه حتى يتم قبوله باعتباره معتقداً موحداً و ممحصاً و منقحاً لا غبار عليه ، و هذا يتفق مع ما دعى اليه القرآن الكريم حيث قال : ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [6] .
و لقد بذل عدد من العلماء المخلصين و المصلحين جهوداً كبيرة لتحقيق هذا الهدف السامي ، و من هؤلاء العلماء الأعلام العلامة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين ( رحمه الله ) [7] ، و العلامة القدير الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الأزهر [8] و كانت نتيجة حواراتهم كتاب المراجعات المعروف [9] ، و الشيخ محمود شلتوت [10] .
الحل الرابع : تبادل الإحترام بين المذاهب الاسلامية كلها دون التعرض لرموزها و معتقداتها و التعامل مع أتباع المذاهب جميعاً على أنهم مسلمين موحدين تجوز مناكحتهم و تحل ذبائحهم و تصان دماؤهم و أعراضهم و أموالهم و مساجدهم و مقدساتهم من أن يتعرض لها ، و منع الجهات التكفيرية من توزيع الاتهامات على المسلمين و إثارة الفتن بين الطوائف و المذاهب الاسلامية .
و من الصحيح أن يُعمل بهذا الحل حتى يأتي اليوم الذي تساعد الظروف على العمل بالحل الثالث إن شاء الله تعالى .
--------------------------------------------------------------------------------