كان أهل الكتاب كثيرًا ما يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء على سبيل الامتحان والتعجيز وليس على سبيل الهداية والانصياع للحق فسألوه عن أشياء كثيرة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يورد الجواب على وجهه ويأتي به على نصه كما هو معروف لديهم ومقرر في كتبهم.
وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولم يتلق العلم على أيديهم ومع هذا لم يحك عن واحد من اليهود والنصارى على شدة عداوتهم له وحرصهم على تكذيبه وكثرة سؤالهم له وتعنتهم في ذلك أنه أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه أو كذبه بل أكثرهم صرح بصحة نبوته وصدق مقالته والمكابر منهم اعترف بعناده وحسده لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وها هي بعض النماذج التي سئل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب بما طابق الحق المقرر عند أهل الكتاب.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي.
قال: ما أول أشراط الساعة (العلامات التي تتقدمها)؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه (أي يجيء يشبهه) ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خبرني بهن آنفًا جبريل
قال فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب
وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت
وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها
قال: أشهد أنك رسول الله
ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت (أي يكذبون على الناس) إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟
قالوا: أعلمن وابن أعلمنا وأخبرنا وابن أخبرنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟
قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله
فقالوا: شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه - رواه البخاري
عن ثوبان رضي الله عنه قال: كنت قائمًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود - أي عالم من علمائهم
فقال: السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال: لم تدفعني؟
فقلت: ألا تقول يا رسول الله
فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي
فقال اليهودي: جئت أسألك
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟
قال: أسمع بأذني فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه (أي يخط بالعود في الأرض ويؤثر به فيها) فقال: سل
فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر - المراد به: الصراط
قال: فمن أول الناس إجازة - المقصود: الجواز والعبور؟
قال صلى الله عليه وسلم: فقراء المهاجرين
قال اليهودي: فما تحفتهم (وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به) حين يدخلون الجنة؟
قال: زيادة كبد النون - أي الحوت
قال: فما غذاؤهم على إثرها؟
قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها
قال : فما شرابهم عليه
قال : عينا فيها تسمى سلسبيلا
قال : صدقت قال أردت أن أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان
قال : ينفعك إن حدثتك
قال : أسمع بأذني
قال : جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله تعالى
فقال : اليهودي لقد صدقت وإنك لنبي ثم انصرف
فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألني عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل به - في صحيح مسلم